رمضان بنسعدون
في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها بلادنا و نحن نعيش حالة من النهوض و التغيير عبر تواصل حالة الوعي و المطالبة بالحقوق المشروعة و المساهمة في صناعة القرار السياسي و تجاوز الماضي و ما خلفه من إرث ثقيل و تراكم لعديد من الإشكاليات الاجتماعية ، الاقتصادية و السياسية التي دفعت بالمواطنين خاصة الطبقة المقهورة إلى رفض الواقع و الثورة ضد الفساد و التصاق رموزه بكراسي السلطة لعقود طويلة حارمة هؤلاء المواطنين من فرص العيش الكريم و تعطيل مشاريع التنمية البشرية و مواكبة مستجدات العصر عبر الصحافة ، لكن عن أية صحافة أتحدث..؟
ليست الصحافة التي ترتعد فرائصها من نشر المقالات المجلجلة و المدوية ، ليست الصحافة التي تزمر و تطبل و تكيل المدح و تلك التي تدوس على من تسميهم كائنات جامدة بالرغم من أن الله سواهم بشرا من طين و صحافيين أمعاءهم فارغة لا يراهنون على الدنيا الزائلة أو يجعلون من الصحافة موردا ارتزاقيا .. لا و كلا ، الصحافة التي تريد وجه الله و تدافع عن المستضعفين فوق الأرض.. إن المجتمعات الدينامية أضحت تسعى إلى فرض إرادة التغيير و التجديد نحو حياة أفضل لمواكبة منطق العصر و في ظل هذا ، فإن الأزمات سمة الحياة و لا مناص من حدوثها و تناميها لأن الفعل الإنساني يسعى إلى التغيير ، و من الطبيعي أن توازيها المواكبة الإعلامية تتناسب و حجم هذه الظاهرة و قوة تأثيرها و كيفية مواجهتها و التفاعل معها بما يجعل المتلقي في حالة تواصل و إحاطة بما يدور حوله لأن امتلاك المعلومة يشكل جزءا كبيرا من امتلاك القوة و السيطرة على مجريات الأزمة بغية التعامل معها وفق أفضل السبل و إيجاد الحلول الناجعة مع الأخذ بعين الاعتبار عاملي الزمان و المكان ، الشيء الذي يجعل الصحفي المهني بمعنى الكلمة يظل يفرض هيمنته في مجال التغطية الإعلامية كما يجري في الأحداث التي تجري دون مزايدة و لا تعتيم أو لا انحياز أو تزمير و تطبيل أو وجل كما يفعل عديد الصحفيين عفوا أشباه الصحفيين الذي يستحوذ غالبيتهم على جرائد ورقية و مواقع إلكترونية .. إن الخوف لا يستوطن قلب الصحفي أبدا و لا يعرف له طريقا ، إن الصحفي الحق هو ذاك المدافع عن امرأة أرملة سلب منها معاشها ليضيفه مسؤولا أو موظفا لراتبه ـ كذاك الذي ظلم أخوه بضم نعجته إلى نعاجه في عهد سيدنا داوود ـ فتركت لها دريهمات لا تكفي غذاء دجاجة في اليوم الواحد « مربوح يمينة و محاد سعيد » نموذجا بالرغم من أننا سمعنا أن الحكومة صادقت على مرسوم قرار يرفع من قيمة المعاشات الأكثر هزالة إلى سقف 1000 درهم لكن لا شيء تحقق حتى الآن .. و مواطن خر عليه سقف منزله تحت وقع قوانين وضعية ، و ساكنة في حاجة للماء و الكهرباء و تعيش شظف العيش ، و معطلين تكسر جماجمهم تحت ظل القمع ، و الصحفي هو ذاك المتواضع الذي لا يفرق بين الزملاء كل سواسي لديه كأسنان المشط ، الصحفي هو ذاك الميداني الذي يستقي الخبر من موقع الحدث كالصحفي الغزي « عبد المؤمن قريقع » الذي بترت ساقيه في إحدى غارات إسرائيل على قطاع غزة و لا يزال يناضل على كرسيه المتحرك في البحث عن الحقيقة من موقع الحدث.. لا ذاك الذي يسود صفحات موقعه الإلكتروني وراء الزجاج الواقي و الغرف المكيفة .. و في السياق إن حجم الإشكاليات التي تعانيها الصحافة ببلادنا تسترعي منا وقفة موضوعية و فهما عميقا لواقعنا و إعادة نظر بمجمل القراءات السياسية لخطابنا الإعلامي بغية تأشير مواضع الخلل و دراسة الظاهرة مع النظام السياسي و المنظومة التشريعية ، مع المتلقي من خلال الممارسة الصحفية لتقديم رسالة تتسم بالمصداقية و المهنية و الحيادية .. فلا سبيل للإصلاح السياسي ، الاقتصادي و الاجتماعي دون إصلاح للإعلام و تغيير منهجيته و أساليبه و أهدافه بما يبلور خطابا جادا و صادقا يسعى لتحقيق التوازن و المطلوب و يكون مؤهلا لإقامة حوار متكافيء و منسجم مع الواقع الجديد و نواميسه و التنمية الشاملة يكون من الضروري تأشير مكامن الخلل ، تلك التي أفقدت خطابنا الإعلامي عناصر الحضور و المواجهة و القوة و التأثير و المنافسة و دفعت به لمزيد من التراجع و التخلف أمام عصر اتصالي يتطور و واقع كل شيء فيه يتغير بسرعة فائقة ، إن الواقائع و الأحداث هي أشبه باختبارات لتقييم أداء الإعلام و وضعه أمام تحديات مستمرة لإعادة الثقة ، لكن يرى كثيرون أن نسبة ضئيلة و ممثلة ببعض الجرائد الورقية تعد على رؤوس الأصابع و كذا بضعة مواقع إلكترونية في مستوى مهنيتها و حجم انتشارها ، و ما دامت الحياة ، هكذا لا بد فيها من أزمات و هي ميزة في المجتمعات الدينامية الساعية نحو التغيير دون وجل و لا خوف لمواكبة العصر .. و إزاء هذا الواقع و لمواجهة التحديات التي تحدق بنا ، لا بد من الاعتراف بقصور سياستنا الإعلامية ، بالرغم مما قدمه الإعلام من مبادرات و مساهمات شكلت حضورا لافتا لصحفيين شرفاء أبانوا عن كفاءتهم في ميدان مهنة المتاعب جريا وراء الحقيقة دون أن يخافوا في الله لومة لائم..